kamal عضو متألق
عدد المساهمات : 157 العمر : 66 الدولة : المغرب عدد النقاط : 6175 علم الدولة : الهواية : المهنة : تاريخ التسجيل : 31/05/2009
| موضوع: رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه الخميس يناير 14, 2010 3:28 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه م ن ق و ل إلى أمي و إلىمن يهمه الأمر حقا هذه المرةـ أمــــــييخـيل لـي و أنا قابـعبمملكتي / المـسن ، اللصيقـة بالمـدرسة / القـسم ، و الشـبيهة بـبناء الأضرحة ؛أنني ولي من أولياء الله ، ترتادني يوميا طوائف من التلاميذ راغبة في مـدد الـعلم ،و طامعة في أن أمحو عنها غشاوة جهلها ...هذا جلب معه خبزا ، و ذاك لبنا ، و عندمايكون مطـلب الزائـر أو جـرمه كبـيرا ، فإنـه يضـطر لطلـب الـشفاعة و الصـفح يجلـببيـض و زبـدة و حليب !!! أنا أيضا أماه كنت أستغربهذه العادة الشاذة ، و أصنفها في عداد السلوكيات المشينة قبل أن أقتحم أدغالالتعليم ، لكنني الآن و من موقعي هذا المنحوت بين الجبال سأحاول أن أبرر لك . بارحةهذا اليوم الذي أخطط لك فيه رسالتي هاته ، تحولت المنطقة لصحراء جبلـية مـن الثـلوج، و مساء اليوم ، مع إطلالة محتشمة لأشعة شمس الجنوب ، انصهر كل الثلج ، فتحولتالمنطقة إلى صحراء من النتوءات و المستنقعات الطينية و الوحلية . مطبخ المسكن / البيت يعرف خصاصا مهولا فـي بعـض الخضروات و القطـاني الرئيسـية ، و الخـبز ، والسكر ، و الشـاي .و لا زالت تفصلنا ليلتين عن يوم السوق . توسمت الخير فيأحد تلاميذي ، استدعيته ، وطلبت منه أن يأتيني بخبزة ، أو نصف خبزة ، أو قليل منالخبز ، ذهـب و لم يـعد ... استدعيـت الثـاني و استجديته بتوسل و تسول لجلب فتات منالخبز، قصد إخماد نيران هذه الطاحونة التي اعتادت هضم الخبز ، و لا شـيء غـيـرالخبز ؛ ماء المغاربة و أمير موائدهم ... ذهب راضـخا و عـاد مـعـتـذرا قائلابالشـلحـة مـا مـعـنـاه : ( كـالـتـلـك مـي مـا بـقـاش الـخـبـز .) و تـرجـمـتقـولـه لعـشـيــري هـكـذا: ( كالتلك مو الله يسهل ! ! !) . هـو خليـط من مـشـاعـرالشـفـقـة المكلـفــة ، و التكافل المتكلـف ، و التبـني القـسري ، هــو أيـضـاجنــس من أجـناس الحوافــز ، و الاحتـضان ، و التـعايـش ، الميسر لـظروف حياةطرفيـن ، لكل منهما مصـلحـة فـي الآخـر ، و هـو كذلك سلوك مغربي حاتمي ، متجدر فيالمكان ، و متأصل في الزمان . يستحيل استـئصاله لراهـنة الوضـع ، و لظروف من فطـمتهالحـضارة و أهملته الوزارة . و أحيانا يتـفاقم الســلوك بـتفــشي سمــات السـذاجـةالقـرويـة و الطمـع المـتمـدن ، و ارتـباك ملــكات التخطـيط و التدبير و التسيير ،مع تراكم التبعات النفسية لهواجس انتـظار صـرف الرواتـب ، و العـطل ، و الرسائل ولكن المطمئن أن الظاهرة سائرة في طريق الاندثار ، منذ البدايات الأولىلسياسة تشبيب القطاع، و انتشار الشحنة الأولى من الهوائيات المقعرة فوق سطوح دوردواوير مغربنا . و أيضا مع توالي سنوات الجفاف ...أمـــــــيلـم أكـن أعتقد أن مغربنالا زال يحوي بين طيات و نتوءات خريطته هذه الفـئة مـن شعبه ( ... ) الـذي لـمتخـدمه أي حـكومـة ، و لـم يعـره مـسؤولونا ، و منظماتنا ، وجمعيـاتنـا ، و أحزابنا، أدنى اهتمام أو التفات ، و لم أكن أتصور أن مغربنا لا زال يخفي بين جباله هذهالعينة من نسائه المعذبات ليلا و نهارا ...هنا بالدوار يكني الرجالالنساء بـ ( تمغارت تغيولت) و هو ما معناه ( الزوجة الحمارة ) و أنا أدعوهن بـ(الأشجار المتحركة ) لاختفاء أجسادهن النحيلة ، وراء ثقل أكوام وأطنان من الحطب والأغصان ...كوينات و تفاصيل أجساد نساء الدوار غريبة ، مكامنالأنوثة فيهن مشوهة ؛ أعناق مقوسة ، ظهور محدودبة ، مؤخرات بارزة متهدلة و نهودمتدلية . هن غير مسؤولات عن قوامهن ، كونهن مرغمات على الجلوس طويلا أمام مراشمحياكة الزرابي ، و المداومة على السقي ، وحمل كل أصناف الأثقال ، و تحمل كل أشكالالأعباء و المشاق و استحمال غباوة صدور مكبوتة غير قنوعة و غير مقتنعة ...كنت قد قررت يوما التخطيط لتحريضهن و إعلامهن بالتعديل الذي وقع علىمدونة الأحوال الشخصية ، و بمستجدات مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، كما أزمعت تألـيب خضوعــهن و خنوعهن ، لكنني عدت و تذكرت أنني عجزت عن تبليغ مطلببسيط لهن ، يتمثل في اقناعهن بعدم وضع الزغب و الحصى في خبزة المعلم ، فكيف ليأن أخبرهن بتخويل الحكومة لهن حق اقتراح اسم أب وهمي لابن زنا ! ؟أحيانا أمي ، أشعر أنني جندت هنا لمحاربة آفة أضخم من الجهل و أشسع منالأمية ،آفة ضاربة بضلالتها و جذورها في الأوصال ، والشرايين ، و الخلايا والمعتقدات ، و الفطرة ... تمـتد وظيـفتي للمسـجد ، لـدور الـدوار ، للحيوانات ،للأعـراف و الـعادات ، لتحـريـر الرسائـل و الشكايات ، للبث في النازلات و لفكالنزاعات و الخصومات . تتعدى مهمـتي بضعة حـروف و أرقام لتطال عوالم أخرى ؛ غيراللغة في المخيلة الأمازيغية لناشئتي . أجاهد كي أفتح عيونهم المسجونة وراء سلسلةمن الجبال على الصورة و الصوت و التخيل و الحلم ، و على شساعة وطننا ، و تعدد أناسهو دواويره و معلميه . تلاميذي يعتقدون أن حدود العالم القصوى تقف عند البلدة التيسافر إليها شيخ الدوار ، هناك حيث الطريق المعبدة ، و حيث الجماعة ، و حيث المستوصف، و حيث الدرك ، وحيث الحلوى و السيارات ... هناك حيث ذهب ابن الشيخ يوما واحداللاستشفاء ، وعاد ليحكي لأصدقائه عن عجائب و غرائب البلدة شهرا من الزمن بل زمنا منالشهور...كم أتمنى أمي ، أن أصاحب تلامـيذي في رحـلة طويـلة،لـزيارة بعـض مـدن وطـنـنـا ، و لرؤية البـحر و الـقطـار و مركز البريد و علاماتالمرور و الدور العالية و .... و ... علني أوفق في توسيع آفاق فكرهم الضيق ، وتحرير رؤاهم ووعيهم المحنط بغشاوة سميكة من الجهل و الانغلاق . لكن خوفي أن أولدلديهم – حينها – إحساسا بالحرمان و أحرضهم وقتئذ على الهجرة ... اراضي الـمنطقـة جـد خصـبـة ، لـكـن رجـال الـدوار متـقاعـسون عـنشقـها ، و قلـبها ، و سقـيها ، وحفـر مـجار مـياه تجاهـها . زراعتـهم المحـببـة هيالنـسيج ، و شغلهم الشاغل انتظار اكتمال زربية كل شهر ، و ترقب تفتح زهور الزعفران، ومتابعة سكنات و حركات المعلم...! الرجال هنا يفتخرون بتخصصهم في زراعة الزرابي ،و الفلاح الأصيل من تنتج نطفته جنسا خصبا من الإناث الناسجات .أتساءل فقط ؛ ما ذنبهذه الأرض؟ و ما ذنب هؤلاء الناسجات الصغيرات؟…تـذكرين أمي ولعـي الشديدبالجرائد ، و البرامج ، و الربورطاجات المتلفزة و السينما ... الآن ، من موقعي هذا، أصبحت أرى في نفسي و مجريات يومي مادة ناجحة لبرنامج وثائقي مؤثر ، أو لسيناريومسلسل درامي عنوانه "يوميات معلم في الارياف " ... فأن يفقد الإنسان إنسانيته ، أن يتزاحم مثلالأكبـاش داخـل أو فـوق سـيارة غـيـر مؤمـنـة ، أن يـشـعر أنـه أهيـن في آدميتـه وكرامته فهذا أحط درجات العيش الكريم (... ) من المؤسف حقا ، أمي ، أنيكتشف المرء ، انه يخادع نفسه و ينافق مجتمعه ، يجامل هذا تصنعا و يخضع لسذاجات وإكراهات ذاك قسرا ، و من العار أن تجد نفسك مرغما على تقديم الغرابة لتلاميذ ، همأحوج ما يكون ؛ لقطعة ثوب ، وقطعة خبز ، وحقنة دواء ، وشحنة حب و عطف و حنان.. !و لعلمك أمي ، لا يوجد في هذا الوطن ، من يحمل حقا هموم أطفال بوادي ومـداشر مغربنا ، غيرنا نحن المعلمون ، لا يوجد من يعرف بنفـس عمـق معرفـتنا ، حقيقةأوضاع قـرى و فلاحي هذا الوطن ، و تأكدي كما الآخرون ، انه لا يوجد من يؤرقه مستقبلهذا الوطن ، بنفس حدة أرقنا ، و لا يوجد من ينوء بأوزار هذا الوطن ، غيرنا نحن منلبى نداء الجنوب ، نحن من يؤمن بان حقلنا ، هو خير ميـدان للاستـثمار و الإنتاج وتحقـيق الرقـي كما لا يوجد من يـدرك بنفس عمق إدراكنا بان الدواويـر و البوادي ؛ هيالأصل في نفعية هذا الوطن أو مضرته ..أماه ، تبدو الأياملأصدقائي متوالية ببطء قاتل ، و أنا أراها زاحفـة بـسرعة الضوء ، أيـام عمري تجري وأنا أعدها و أسجلها يوما يومـا و بالتاريـخ الهـجري و الـميلادي ، الوقـت هـنا لاأهمية له و المؤكد أن ساعتي غير مضبوطة ، إذ لم أجد من اضبط عقاربها عليه ... فباتتهي الأخرى تجاري رتابتي ، مرة تقدم ساعتين ، و مرة تؤخر أربع ساعات ، حتى المذياعأبت موجاته أن تستقر على محطة واحدة . و إذا حدث يوما أن خففت تيارات رياح الجنوبمن وطيس غضبها ، فانه يتحدث بثلاث لغات ممزوجة . لكنني أقولها لك صراحة ؛ لقداكتشفت – متأخرا – هذا الجهاز المؤنس المسمى مذياعا . تذكرين أمي ، ذوقي الغذائي ،ثوابلي المحببة، فواكهي المقدسة ، تذكرين طقوس كتابتي ، و أكلي و نومي . لا أظنكستنسين كل هذه الأشياء ... لكن أود أن أخبرك أنني تخليت عن عاداتي ؛ إن لم تكن هيالتي تخلت عني . لم اكن أتصور يوما أنني سأغير – أو انه سيرغم علي تغيـير – ذوقيالغـذائي و الموسيـقـي و الأدبي . و أنني سأستسيغ مذاق اللـفـت و الشـحـمة و " البـيصارا البـايتـة " ، أو أنني سأطرب لإيقـاعات الـراي و الريكي و كل الأنواعالموسيقية الصاخبة ، المكسـرة لسـكون هـذا الـدوار الأخـرس . أو أنني سأصبح مستهلكاغبيا لكل ما يقرأ و لكل ما يقال و لكل ما يجري و يروج... أو أنني سأرتعد حد الفناءعند ترتيلي أو إنصاتي لتجويد آيات من الذكر الحكيمأمي ، ثلاثة أسابيع مرت علىتواجدي بالدوار ، و لم أعرف بعد متى و أين و كيف يكون الاستحمام ، أو بتعبير أدق ،لم أستحم بعد . أردت حك بقعة دغدغتني أسفل ذقني ، فعـلت و أخمدت نار الحكة ، لكننيأيقضت طبقة وسخ من سباتها ففاحت رائحتي . ابنك " الجيلالي " خبير الروائح و العطوراصبح يضاهي في رائحته رائحة مجدوب حينا ...والدتي العزيزة ،لا شك أنكلا زلت تذكرين أناقتي و اهتمامي الكبير بتناسق هندامي . تلك أيام خلت...راهنا لمأعد أميز بين ملابس العمل و ملابس النوم ، قد تختلط وظيفتهما و قد تتوحد . لم أعدأجد رغبة في تسريح شعري ، أو تلميع حذائي ، أو تنظيف أسناني ، أو تعطير مناطقالتصاق مفاصلي . لأجل من سأفعل كل هذا ؟ ستقولين من أجل نفسي ؟ و سأجيبك : ماتت فيتلك النفس الأنيقة .تخيليني أمي في أي وضعية لم يسبق لك أن رأيتني فيها ؛مريضا ن مهملا ، ضمآنا ، جوعانا ، بردانا . تخيليني واجما ، متأملا ، صامتا منصتالسكون الجبال . و أغاني الراي وترتيل آيات القرآن . مرارا أغسل وجهي دون أن أفطر ،أو أفطر دون أن أغسل وجهي . و أحيانا ، أرغم على الصوم و أنا جوعان ، و على الأكل وأنا شبعان . لم أعـد أميز بيـن صبحي و ليلـي ،و بين بارحتي و يومي . الخواء والفراغ و اللا شيء و اللا معنى باتت أبراج حظي .. هنا بين الجبال، أمي،اكتشفت أن لكل شـيء صدى . اكتشـفت أيضـا أن الحـياة خدعـة و أن للصمت صـوت رنينـيمسترسـل ، و أن فـي عمـق العتمـة الدامـسة أنـوار هلامية خفـية ، و اقتنعت أخيرا أنهناك شعور أقوى من الحب يدعى الألفة ، و أن مبتكر النميمة إنما كان عدوا لذوذالمعلم . و أن الأنثى هي سبب تخلف هذا الميدان ، و هذا الوطن ، و هذه العقول العاشقة . كما حظيت مؤخرا بخزي رؤية مكمن تخلف إدارتنا ...بالمناسبة أمي ، أود أنأخبرك أنني عدت لعادة قضم الأظافر ، ووضع سبابة يسراي في الفجوة اليمنى لأنفي . وأبشرك أنني شفـيت من فوبيا الكـلاب و الزواحـف و الأماكـن المرتفعـة و الشاسعة . كيف لا و أنا نفسي أصبحت قطعة من هذا الفضاء التجريدي . كما لا أنسى شكرك على ذلكالمنديل الذي دسسته لي خفية في ثنايا حقيبة سفري . و صدقيني أن عبق رائحتك العالقةبي تخفف عني قسطا من آلام بدني و غربتي... أمي قد أسأم هذه الحياة ،قد أتدمر و قد أتمرد ، لكنني أعود و أتذكر أنني أعمل مرضاة لوجه الله ، أعود وأتذكر أيضا براءة عيون و صفاء قلوب هؤلاء الصبية ، فاقتنع أن الذنب ليس ذنبهم كونهملا يتحدثون عربية أو دارجة ، و كـون نطـفهم تشكـلت بين الجـبال . و أعـود في الأخير، لأتذكر حالـة زحمـة " راس الـدرب " و مقـاهي الدرب ، و مـجازي الـدرب فانكـمـش وأنتفض من سأمي ...أماه ، و أنـا أصـلي داخـل بيتـي المشـيد فوق أعلى هضبةصخريـة بـالـدوار . أشعــر ؛ و هـذا أجمل شعور ، أنني قريب من الله أكثر من أي وقتمضى ، قريب من ملكوته و عـظمـته و مشـيئتـه ، قريـب مـن رحمـته و عـنايـته و لطـفه ...فأتـضرع و أتـذلل و ابكي و أتلاشى حسـا لا جسدا ...مستلقيا على فراشي ، أجد نفسي مرغما على استرجاع كل حلقات شريط حياتيعشرون حلقة ، أتذكرها سـنة سنـة ، شـهرا شهـرا و يوما يومـا ، أسترجعـها بأجمـل وأتعس لويحـظاتها و بأبطأ و أسرع هنيهاتها .والدتي ، صدقيني أنني لازلت أتذكر مذاق حليب ثدييك ، و أتذكر أيضا أنني طالما عضضتك من حلمتيك ، و طالماشددتك و جذبتك من ظفائر شعرك ، بل و تعود بي الذكرى إلى يوم مولدي و يـوم فـطامي ويـوم خـتاني . أعـرف أنك لـن تستـوعبي ما أقـول ، لكن أصدقـائي و الجبال يستوعبون ويبررون ما أقول ، عندما تعصف بي نزلات برد حادة فأرعف على إثرها مرارا و تكرارا ، وأفقد وعيي ، ثم أسترسل في التذكر و الهذيان . و أذكر أيضا ، و لا أدري إن كنتستصدقينني هذه المرة أيضا ، لكنني أقسم ، و قسمي غير جائز ، لأنني كنت وقتها لاأزال جنينا . قلت إذن أنني أذكر – و الذكرى ليست ببعيدة – كل لحظة مكثتها بداخلأحشائك ، فأذكر مثلا أنك حملتني أزيد من تسعة أشهر بخمسة أشهر أخرى . وأذكر أيضاساعة مخاضك و نفاسكو أذكر كذلك لحظة شعرت بأول نفس ، و بأول ركلة ، و بأولنبض من حياتي يدب في ظلماتك الثلاث ...، و أنك وضعتني بيسر ، و أن " مي صفية " هيالتي جدبتني للوجود . بل و أذكـر ما حدث قبل و بعد ذلك بكثير فما رأيك والدتي ؟؟حقا لكم هو رائع أن تنجب الأمهات معلمين .أيام قبـل سـفري حذرتـنيمـن أكـل الطعـام" البائـت"، و من المـرور بالأماكـن المظـلمة و ارتياد الأماكنالمهجورة . أطمئنك و أخبرك في هذه الرسالة غير المرسلة إليك ، إن ابنك يقطن بمسكنلصيق بفرعية معزولة عن الدوار .محاط بمقبرة فسيحة و مـطل على صهريج مهجور . و أنغذاؤه الدائم ما تبقى من عشاء البارحات ...و أن العقارب و الكلاب و الزواحف باتت مناخلص أصدقائه و مؤنسيهأمي ، لن أنسى يوم ودعتنيبعينين دامعتين و قلب خافق متهدج : "سير أوليدي راك محضي و مرضي الوالدين ، سير ربييسترك و يحفظك و ينجيك ، راك سالم غانم من شر الشيطان و بنادم " . و أحسست وقتهابخاتم الرضا يطبع على جبيني . كما استحضر كلما هممت باقتراف الفواحش نصيحتك الغاليةبرفق و دفء و حياء صوتك " ولدي خـدم بنـيتك و ديـر ثقتـك فـالله ، و ما تكمي ماتسكر ما تزني باش رجاكو رجاي يكون مقبول ." خاضع لحد كتابة هذه الأسطر لوصاياكالغالية . فقط ، اعلمي أنني لم اعد ذلك الجيلالي " الذي تعرفينه ، أشعر أن هزةنفسية ألمت بوجداني ، فقدت تلك الروح المرحة و تلك الابتسامة التي ما كانت لتفارقمحياي .أعـدك أمي ،أنـني لن" أكمـي" و لن " أسكـر " و لـن " أزني " لكـننيسأبـكى و أحكي و أشكي سأكتب و اعترف و سأفضح كل التجاوزات ، كل الخروقات ، و كلالتواطآت المحاكة ضد هذه الأقاليم المغربية المحافظة .سأفرغ حويصلات الأقسام منجثتها و ديدانها و سأمزق ستائر المدارةحقا ، و أنا أعيش الأجواءالماجنة ، كشاهد عن كتب وسط معمعة عاهرة ، أقاوم رغبة جامحة في تجاوز نصائحكالغالية . فبين الحين ، و الحين ينتابني ضمأ كبير لسيجارة رخيصة ، و لكأس خمر رديءو لأنثى عاهرة ، أسـترجع و إياهـم لحـظات الصخـب و الانتـشاء و اللـذة . و أحياناتغويني حتى الاستسـلام رائحـة دخـان السـجـائر و الكحـول و الجـنس ، و تتحامـل عليالجـبـال و الرجـال و الغيـــوم ، فتذيقنـي ، مـتراكمـة ، مرارة الحـياة و شـقــاءغربـة الـوطـن ، و تشجعني غير ما مرة هذه الظروف المعربدة على تجرع مرارة النبيذ ،لأمزج المرارتين علني أتذوق الحلاوة . لكنني أعود و استحضر وصاياك الثمينة فأعصمنفسي عن الوقوع في الرذيلة. عب جدا أماه ، أن يقضيالإنسان عقدين من حياته ، بين أحضان الأم و العائلة و المدينة بكل مقوماتها ، ليجدنفسه فجأة و دونما أدنى تهيئ نفسي لوسط قروي محض ، أو لنقل لبادية إحدى القرى ، وبتعبير أوضح لأبعد نقطة عن طريق ثانوية معبدة . فطام الحضارة لا يعادل فطام ينبوعأمومتك يا مجد الأمومة و يا فيض الرضا... يزة المدينة أن يومهاينسيك بارحتها ، و غدها سينسيك قطعا في أمسها .بين الجبال أعيش يومي بذكرىالبارحة و أتأكد أنني سأعيش غدي بأحداث أيامي الماضية خلاصة القول أن أيامي هنامتشابهة باستثناء يوم زارني المفتش ( ... ) مفاهيم جديدة أمـــي ، اقتـحمـت قامـوسحـياتـي ؛ الغربــة المـوخـزة ، القـسـارة العامـرة " القـسارة الخاوية " " العشرة " " التقدية " " الكميلة" " الدكة " "الحكرة "... ما كنت والدتي العزيزة سأعيش هذهالمفاهيم لحظات و هذه الأحاسيس جرعات زعاف لولا ولوجي سلك المتاعب النبيل .قديما و كل قديم غير بعيد ، كنت أتألم على بعض السويعات المؤنسة ، وأتحسر عليها ، أعيشها و أحاول جاهدا الاستماع بها قدر الإمكان ، ليقيني أنها ستصبحذكرى ... ، الساعة ، اليوم و كل الأيام اللاحقة ، أنتظر بلهفة و ترقب كبيرين متىتصبح للذكرى بالرغم من انسيابها الحتمي.الجرائد هنا ، طبعا جرائدالبارحة أو قبل البارحة ، أستشف و أنا أتصفحها على نغمات صمت الجبال أنها دونمصداقية . الافتتاحيات، و الأعمدة الثابتة ، و الأخبار، و التحاليل ، تتجرد منمساحيـق الـمدينة ، فتقـرأ عاريـة مفـضوحة ناشـرة لغسيلـها الوسـخ. الأقلامالسياسية و الصحفية ، يسقط قناعها ليكشف عن وجوهها المزيفة ، الكاريكاتورية ،الوصولية ، و المنافقةأمي ، كنت قد أبديت رغبتكفي مرافقتي ، أو زيارتي للاقتراب من أجوائي و أحوالي ، وللاطمئنان علي أكثر . لكننيماطلتك و تهربت من رغبتك بحجة و بغيرها . أتعرفين لماذا ؟ لأنني لا أريدك أن تحمليصورة حزينة عن ابنك ، لا أريدك أن تنامي و كوابيس تلاحقك . أريدك فقط ، أن تقبلي ،كون ابنك مغترب ، داخل حدود وطنه ، من اجل وظيفة نبيلة محترمة ، و من أجل واجبإنساني وطني . ومن أجل دريهمات قليلة و كفى .مطمئن عليك لأنني وفقت فيأكاذيبي – سامحني الله – صورت لك حياتي نعيما و أنا القاطن بمسكن مغشوش البناء مطلعلى مقبرة للأمواتترجمت لك أيامي فردوسا ، و أنـا الـذي طالما حـرم مـنوجبـات رئيسية . أبلغتـك راحتي و سعادتـي و أنـا مـن صارع لشهـور طويلـة خلـيطا مـنمشاعـر السجـيـن ، و اليتــيم ، و المريض ، و المغتصب ، و المغدور ، و المفجوع ، والمرعوب و المهاجر المغترب ... ختاما أمـــــــي؛هـي رسالة شخصية لك ، لكنـها مفـتوحة للقراءة لكـل المعنيين بحقلالتعليم و التربية ، و بحقل هذا الوطني وثيقة إدانة في حقالدولة وهي صك اتهام في حق ديماغوجيينا .هو نداء استغاثة عاجل منأطفال الجنوب . و هي لحظات اقتنصتها من صدق الواقع ، ومن صدق الذكرى و من قتامةالوضع . فتداركوا أيها المسؤولون جزاكم الله خيرا من أجل خير هذا الوطن و مـن أجـلأطـفال نفـس الوطـن ...قبـل أن يفـوت الأوان و قـبل أن يحتضر الأمـــل و يحتضرالوطن .و أستودعك ، أمـــي ، الله الذي لا تضيع ودائعه . ابنـــك الـــبـــــار
| |
|