مرحبا بك أيها الزائر ، وصولك إلى منتدانا شرف لنا

ونسعد بانضمامك إلينا أو تسجيل الدخول إن كنت من أعضائنا الكرام
مرحبا بك أيها الزائر ، وصولك إلى منتدانا شرف لنا

ونسعد بانضمامك إلينا أو تسجيل الدخول إن كنت من أعضائنا الكرام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
kamal
عضو متألق
kamal


ذكر
عدد المساهمات : 157
العمر : 66
الدولة : المغرب
عدد النقاط : 6175
علم الدولة : رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه Morocco
الهواية : رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه Readin10
المهنة : رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه Profes10
تاريخ التسجيل : 31/05/2009

رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه Empty
مُساهمةموضوع: رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه   رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه Icon_minitimeالخميس يناير 14, 2010 3:28 am

بسم الله الرحمن الرحيم

رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه
م ن ق و ل
إلى أمي و إلىمن يهمه الأمر حقا هذه المرةـ
أمــــــييخـيل لـي و أنا قابـعبمملكتي / المـسن ، اللصيقـة بالمـدرسة / القـسم ، و الشـبيهة بـبناء الأضرحة ؛أنني ولي من أولياء الله ، ترتادني يوميا طوائف من التلاميذ راغبة في مـدد الـعلم ،و طامعة في أن أمحو عنها غشاوة جهلها ...هذا جلب معه خبزا ، و ذاك لبنا ، و عندمايكون مطـلب الزائـر أو جـرمه كبـيرا ، فإنـه يضـطر لطلـب الـشفاعة و الصـفح يجلـببيـض و زبـدة و حليب !!! أنا أيضا أماه كنت أستغربهذه العادة الشاذة ، و أصنفها في عداد السلوكيات المشينة قبل أن أقتحم أدغالالتعليم ، لكنني الآن و من موقعي هذا المنحوت بين الجبال سأحاول أن أبرر لك . بارحةهذا اليوم الذي أخطط لك فيه رسالتي هاته ، تحولت المنطقة لصحراء جبلـية مـن الثـلوج، و مساء اليوم ، مع إطلالة محتشمة لأشعة شمس الجنوب ، انصهر كل الثلج ، فتحولتالمنطقة إلى صحراء من النتوءات و المستنقعات الطينية و الوحلية . مطبخ المسكن / البيت يعرف خصاصا مهولا فـي بعـض الخضروات و القطـاني الرئيسـية ، و الخـبز ، والسكر ، و الشـاي .و لا زالت تفصلنا ليلتين عن يوم السوق . توسمت الخير فيأحد تلاميذي ، استدعيته ، وطلبت منه أن يأتيني بخبزة ، أو نصف خبزة ، أو قليل منالخبز ، ذهـب و لم يـعد ... استدعيـت الثـاني و استجديته بتوسل و تسول لجلب فتات منالخبز، قصد إخماد نيران هذه الطاحونة التي اعتادت هضم الخبز ، و لا شـيء غـيـرالخبز ؛ ماء المغاربة و أمير موائدهم ... ذهب راضـخا و عـاد مـعـتـذرا قائلابالشـلحـة مـا مـعـنـاه : ( كـالـتـلـك مـي مـا بـقـاش الـخـبـز .) و تـرجـمـتقـولـه لعـشـيــري هـكـذا: ( كالتلك مو الله يسهل ! ! !) . هـو خليـط من مـشـاعـرالشـفـقـة المكلـفــة ، و التكافل المتكلـف ، و التبـني القـسري ، هــو أيـضـاجنــس من أجـناس الحوافــز ، و الاحتـضان ، و التـعايـش ، الميسر لـظروف حياةطرفيـن ، لكل منهما مصـلحـة فـي الآخـر ، و هـو كذلك سلوك مغربي حاتمي ، متجدر فيالمكان ، و متأصل في الزمان . يستحيل استـئصاله لراهـنة الوضـع ، و لظروف من فطـمتهالحـضارة و أهملته الوزارة . و أحيانا يتـفاقم الســلوك بـتفــشي سمــات السـذاجـةالقـرويـة و الطمـع المـتمـدن ، و ارتـباك ملــكات التخطـيط و التدبير و التسيير ،مع تراكم التبعات النفسية لهواجس انتـظار صـرف الرواتـب ، و العـطل ، و الرسائل ولكن المطمئن أن الظاهرة سائرة في طريق الاندثار ، منذ البدايات الأولىلسياسة تشبيب القطاع، و انتشار الشحنة الأولى من الهوائيات المقعرة فوق سطوح دوردواوير مغربنا . و أيضا مع توالي سنوات الجفاف ...أمـــــــيلـم أكـن أعتقد أن مغربنالا زال يحوي بين طيات و نتوءات خريطته هذه الفـئة مـن شعبه ( ... ) الـذي لـمتخـدمه أي حـكومـة ، و لـم يعـره مـسؤولونا ، و منظماتنا ، وجمعيـاتنـا ، و أحزابنا، أدنى اهتمام أو التفات ، و لم أكن أتصور أن مغربنا لا زال يخفي بين جباله هذهالعينة من نسائه المعذبات ليلا و نهارا ...هنا بالدوار يكني الرجالالنساء بـ ( تمغارت تغيولت) و هو ما معناه ( الزوجة الحمارة ) و أنا أدعوهن بـ(الأشجار المتحركة ) لاختفاء أجسادهن النحيلة ، وراء ثقل أكوام وأطنان من الحطب والأغصان ...كوينات و تفاصيل أجساد نساء الدوار غريبة ، مكامنالأنوثة فيهن مشوهة ؛ أعناق مقوسة ، ظهور محدودبة ، مؤخرات بارزة متهدلة و نهودمتدلية . هن غير مسؤولات عن قوامهن ، كونهن مرغمات على الجلوس طويلا أمام مراشمحياكة الزرابي ، و المداومة على السقي ، وحمل كل أصناف الأثقال ، و تحمل كل أشكالالأعباء و المشاق و استحمال غباوة صدور مكبوتة غير قنوعة و غير مقتنعة ...كنت قد قررت يوما التخطيط لتحريضهن و إعلامهن بالتعديل الذي وقع علىمدونة الأحوال الشخصية ، و بمستجدات مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، كما أزمعت تألـيب خضوعــهن و خنوعهن ، لكنني عدت و تذكرت أنني عجزت عن تبليغ مطلببسيط لهن ، يتمثل في اقناعهن بعدم وضع الزغب و الحصى في خبزة المعلم ، فكيف ليأن أخبرهن بتخويل الحكومة لهن حق اقتراح اسم أب وهمي لابن زنا ! ؟أحيانا أمي ، أشعر أنني جندت هنا لمحاربة آفة أضخم من الجهل و أشسع منالأمية ،آفة ضاربة بضلالتها و جذورها في الأوصال ، والشرايين ، و الخلايا والمعتقدات ، و الفطرة ... تمـتد وظيـفتي للمسـجد ، لـدور الـدوار ، للحيوانات ،للأعـراف و الـعادات ، لتحـريـر الرسائـل و الشكايات ، للبث في النازلات و لفكالنزاعات و الخصومات . تتعدى مهمـتي بضعة حـروف و أرقام لتطال عوالم أخرى ؛ غيراللغة في المخيلة الأمازيغية لناشئتي . أجاهد كي أفتح عيونهم المسجونة وراء سلسلةمن الجبال على الصورة و الصوت و التخيل و الحلم ، و على شساعة وطننا ، و تعدد أناسهو دواويره و معلميه . تلاميذي يعتقدون أن حدود العالم القصوى تقف عند البلدة التيسافر إليها شيخ الدوار ، هناك حيث الطريق المعبدة ، و حيث الجماعة ، و حيث المستوصف، و حيث الدرك ، وحيث الحلوى و السيارات ... هناك حيث ذهب ابن الشيخ يوما واحداللاستشفاء ، وعاد ليحكي لأصدقائه عن عجائب و غرائب البلدة شهرا من الزمن بل زمنا منالشهور...كم أتمنى أمي ، أن أصاحب تلامـيذي في رحـلة طويـلة،لـزيارة بعـض مـدن وطـنـنـا ، و لرؤية البـحر و الـقطـار و مركز البريد و علاماتالمرور و الدور العالية و .... و ... علني أوفق في توسيع آفاق فكرهم الضيق ، وتحرير رؤاهم ووعيهم المحنط بغشاوة سميكة من الجهل و الانغلاق . لكن خوفي أن أولدلديهم – حينها – إحساسا بالحرمان و أحرضهم وقتئذ على الهجرة ... اراضي الـمنطقـة جـد خصـبـة ، لـكـن رجـال الـدوار متـقاعـسون عـنشقـها ، و قلـبها ، و سقـيها ، وحفـر مـجار مـياه تجاهـها . زراعتـهم المحـببـة هيالنـسيج ، و شغلهم الشاغل انتظار اكتمال زربية كل شهر ، و ترقب تفتح زهور الزعفران، ومتابعة سكنات و حركات المعلم...! الرجال هنا يفتخرون بتخصصهم في زراعة الزرابي ،و الفلاح الأصيل من تنتج نطفته جنسا خصبا من الإناث الناسجات .أتساءل فقط ؛ ما ذنبهذه الأرض؟ و ما ذنب هؤلاء الناسجات الصغيرات؟تـذكرين أمي ولعـي الشديدبالجرائد ، و البرامج ، و الربورطاجات المتلفزة و السينما ... الآن ، من موقعي هذا، أصبحت أرى في نفسي و مجريات يومي مادة ناجحة لبرنامج وثائقي مؤثر ، أو لسيناريومسلسل درامي عنوانه "يوميات معلم في الارياف " ... فأن يفقد الإنسان إنسانيته ، أن يتزاحم مثلالأكبـاش داخـل أو فـوق سـيارة غـيـر مؤمـنـة ، أن يـشـعر أنـه أهيـن في آدميتـه وكرامته فهذا أحط درجات العيش الكريم (... ) من المؤسف حقا ، أمي ، أنيكتشف المرء ، انه يخادع نفسه و ينافق مجتمعه ، يجامل هذا تصنعا و يخضع لسذاجات وإكراهات ذاك قسرا ، و من العار أن تجد نفسك مرغما على تقديم الغرابة لتلاميذ ، همأحوج ما يكون ؛ لقطعة ثوب ، وقطعة خبز ، وحقنة دواء ، وشحنة حب و عطف و حنان.. !و لعلمك أمي ، لا يوجد في هذا الوطن ، من يحمل حقا هموم أطفال بوادي ومـداشر مغربنا ، غيرنا نحن المعلمون ، لا يوجد من يعرف بنفـس عمـق معرفـتنا ، حقيقةأوضاع قـرى و فلاحي هذا الوطن ، و تأكدي كما الآخرون ، انه لا يوجد من يؤرقه مستقبلهذا الوطن ، بنفس حدة أرقنا ، و لا يوجد من ينوء بأوزار هذا الوطن ، غيرنا نحن منلبى نداء الجنوب ، نحن من يؤمن بان حقلنا ، هو خير ميـدان للاستـثمار و الإنتاج وتحقـيق الرقـي كما لا يوجد من يـدرك بنفس عمق إدراكنا بان الدواويـر و البوادي ؛ هيالأصل في نفعية هذا الوطن أو مضرته ..أماه ، تبدو الأياملأصدقائي متوالية ببطء قاتل ، و أنا أراها زاحفـة بـسرعة الضوء ، أيـام عمري تجري وأنا أعدها و أسجلها يوما يومـا و بالتاريـخ الهـجري و الـميلادي ، الوقـت هـنا لاأهمية له و المؤكد أن ساعتي غير مضبوطة ، إذ لم أجد من اضبط عقاربها عليه ... فباتتهي الأخرى تجاري رتابتي ، مرة تقدم ساعتين ، و مرة تؤخر أربع ساعات ، حتى المذياعأبت موجاته أن تستقر على محطة واحدة . و إذا حدث يوما أن خففت تيارات رياح الجنوبمن وطيس غضبها ، فانه يتحدث بثلاث لغات ممزوجة . لكنني أقولها لك صراحة ؛ لقداكتشفت – متأخرا – هذا الجهاز المؤنس المسمى مذياعا . تذكرين أمي ، ذوقي الغذائي ،ثوابلي المحببة، فواكهي المقدسة ، تذكرين طقوس كتابتي ، و أكلي و نومي . لا أظنكستنسين كل هذه الأشياء ... لكن أود أن أخبرك أنني تخليت عن عاداتي ؛ إن لم تكن هيالتي تخلت عني . لم اكن أتصور يوما أنني سأغير – أو انه سيرغم علي تغيـير – ذوقيالغـذائي و الموسيـقـي و الأدبي . و أنني سأستسيغ مذاق اللـفـت و الشـحـمة و " البـيصارا البـايتـة " ، أو أنني سأطرب لإيقـاعات الـراي و الريكي و كل الأنواعالموسيقية الصاخبة ، المكسـرة لسـكون هـذا الـدوار الأخـرس . أو أنني سأصبح مستهلكاغبيا لكل ما يقرأ و لكل ما يقال و لكل ما يجري و يروج... أو أنني سأرتعد حد الفناءعند ترتيلي أو إنصاتي لتجويد آيات من الذكر الحكيمأمي ، ثلاثة أسابيع مرت علىتواجدي بالدوار ، و لم أعرف بعد متى و أين و كيف يكون الاستحمام ، أو بتعبير أدق ،لم أستحم بعد . أردت حك بقعة دغدغتني أسفل ذقني ، فعـلت و أخمدت نار الحكة ، لكننيأيقضت طبقة وسخ من سباتها ففاحت رائحتي . ابنك " الجيلالي " خبير الروائح و العطوراصبح يضاهي في رائحته رائحة مجدوب حينا ...والدتي العزيزة ،لا شك أنكلا زلت تذكرين أناقتي و اهتمامي الكبير بتناسق هندامي . تلك أيام خلت...راهنا لمأعد أميز بين ملابس العمل و ملابس النوم ، قد تختلط وظيفتهما و قد تتوحد . لم أعدأجد رغبة في تسريح شعري ، أو تلميع حذائي ، أو تنظيف أسناني ، أو تعطير مناطقالتصاق مفاصلي . لأجل من سأفعل كل هذا ؟ ستقولين من أجل نفسي ؟ و سأجيبك : ماتت فيتلك النفس الأنيقة .تخيليني أمي في أي وضعية لم يسبق لك أن رأيتني فيها ؛مريضا ن مهملا ، ضمآنا ، جوعانا ، بردانا . تخيليني واجما ، متأملا ، صامتا منصتالسكون الجبال . و أغاني الراي وترتيل آيات القرآن . مرارا أغسل وجهي دون أن أفطر ،أو أفطر دون أن أغسل وجهي . و أحيانا ، أرغم على الصوم و أنا جوعان ، و على الأكل وأنا شبعان . لم أعـد أميز بيـن صبحي و ليلـي ،و بين بارحتي و يومي . الخواء والفراغ و اللا شيء و اللا معنى باتت أبراج حظي .. هنا بين الجبال، أمي،اكتشفت أن لكل شـيء صدى . اكتشـفت أيضـا أن الحـياة خدعـة و أن للصمت صـوت رنينـيمسترسـل ، و أن فـي عمـق العتمـة الدامـسة أنـوار هلامية خفـية ، و اقتنعت أخيرا أنهناك شعور أقوى من الحب يدعى الألفة ، و أن مبتكر النميمة إنما كان عدوا لذوذالمعلم . و أن الأنثى هي سبب تخلف هذا الميدان ، و هذا الوطن ، و هذه العقول العاشقة . كما حظيت مؤخرا بخزي رؤية مكمن تخلف إدارتنا ...بالمناسبة أمي ، أود أنأخبرك أنني عدت لعادة قضم الأظافر ، ووضع سبابة يسراي في الفجوة اليمنى لأنفي . وأبشرك أنني شفـيت من فوبيا الكـلاب و الزواحـف و الأماكـن المرتفعـة و الشاسعة . كيف لا و أنا نفسي أصبحت قطعة من هذا الفضاء التجريدي . كما لا أنسى شكرك على ذلكالمنديل الذي دسسته لي خفية في ثنايا حقيبة سفري . و صدقيني أن عبق رائحتك العالقةبي تخفف عني قسطا من آلام بدني و غربتي... أمي قد أسأم هذه الحياة ،قد أتدمر و قد أتمرد ، لكنني أعود و أتذكر أنني أعمل مرضاة لوجه الله ، أعود وأتذكر أيضا براءة عيون و صفاء قلوب هؤلاء الصبية ، فاقتنع أن الذنب ليس ذنبهم كونهملا يتحدثون عربية أو دارجة ، و كـون نطـفهم تشكـلت بين الجـبال . و أعـود في الأخير، لأتذكر حالـة زحمـة " راس الـدرب " و مقـاهي الدرب ، و مـجازي الـدرب فانكـمـش وأنتفض من سأمي ...أماه ، و أنـا أصـلي داخـل بيتـي المشـيد فوق أعلى هضبةصخريـة بـالـدوار . أشعــر ؛ و هـذا أجمل شعور ، أنني قريب من الله أكثر من أي وقتمضى ، قريب من ملكوته و عـظمـته و مشـيئتـه ، قريـب مـن رحمـته و عـنايـته و لطـفه ...فأتـضرع و أتـذلل و ابكي و أتلاشى حسـا لا جسدا ...مستلقيا على فراشي ، أجد نفسي مرغما على استرجاع كل حلقات شريط حياتيعشرون حلقة ، أتذكرها سـنة سنـة ، شـهرا شهـرا و يوما يومـا ، أسترجعـها بأجمـل وأتعس لويحـظاتها و بأبطأ و أسرع هنيهاتها .والدتي ، صدقيني أنني لازلت أتذكر مذاق حليب ثدييك ، و أتذكر أيضا أنني طالما عضضتك من حلمتيك ، و طالماشددتك و جذبتك من ظفائر شعرك ، بل و تعود بي الذكرى إلى يوم مولدي و يـوم فـطامي ويـوم خـتاني . أعـرف أنك لـن تستـوعبي ما أقـول ، لكن أصدقـائي و الجبال يستوعبون ويبررون ما أقول ، عندما تعصف بي نزلات برد حادة فأرعف على إثرها مرارا و تكرارا ، وأفقد وعيي ، ثم أسترسل في التذكر و الهذيان . و أذكر أيضا ، و لا أدري إن كنتستصدقينني هذه المرة أيضا ، لكنني أقسم ، و قسمي غير جائز ، لأنني كنت وقتها لاأزال جنينا . قلت إذن أنني أذكر – و الذكرى ليست ببعيدة – كل لحظة مكثتها بداخلأحشائك ، فأذكر مثلا أنك حملتني أزيد من تسعة أشهر بخمسة أشهر أخرى . وأذكر أيضاساعة مخاضك و نفاسكو أذكر كذلك لحظة شعرت بأول نفس ، و بأول ركلة ، و بأولنبض من حياتي يدب في ظلماتك الثلاث ...، و أنك وضعتني بيسر ، و أن " مي صفية " هيالتي جدبتني للوجود . بل و أذكـر ما حدث قبل و بعد ذلك بكثير فما رأيك والدتي ؟؟حقا لكم هو رائع أن تنجب الأمهات معلمين .أيام قبـل سـفري حذرتـنيمـن أكـل الطعـام" البائـت"، و من المـرور بالأماكـن المظـلمة و ارتياد الأماكنالمهجورة . أطمئنك و أخبرك في هذه الرسالة غير المرسلة إليك ، إن ابنك يقطن بمسكنلصيق بفرعية معزولة عن الدوار .محاط بمقبرة فسيحة و مـطل على صهريج مهجور . و أنغذاؤه الدائم ما تبقى من عشاء البارحات ...و أن العقارب و الكلاب و الزواحف باتت مناخلص أصدقائه و مؤنسيهأمي ، لن أنسى يوم ودعتنيبعينين دامعتين و قلب خافق متهدج : "سير أوليدي راك محضي و مرضي الوالدين ، سير ربييسترك و يحفظك و ينجيك ، راك سالم غانم من شر الشيطان و بنادم " . و أحسست وقتهابخاتم الرضا يطبع على جبيني . كما استحضر كلما هممت باقتراف الفواحش نصيحتك الغاليةبرفق و دفء و حياء صوتك " ولدي خـدم بنـيتك و ديـر ثقتـك فـالله ، و ما تكمي ماتسكر ما تزني باش رجاكو رجاي يكون مقبول ." خاضع لحد كتابة هذه الأسطر لوصاياكالغالية . فقط ، اعلمي أنني لم اعد ذلك الجيلالي " الذي تعرفينه ، أشعر أن هزةنفسية ألمت بوجداني ، فقدت تلك الروح المرحة و تلك الابتسامة التي ما كانت لتفارقمحياي .أعـدك أمي ،أنـني لن" أكمـي" و لن " أسكـر " و لـن " أزني " لكـننيسأبـكى و أحكي و أشكي سأكتب و اعترف و سأفضح كل التجاوزات ، كل الخروقات ، و كلالتواطآت المحاكة ضد هذه الأقاليم المغربية المحافظة .سأفرغ حويصلات الأقسام منجثتها و ديدانها و سأمزق ستائر المدارةحقا ، و أنا أعيش الأجواءالماجنة ، كشاهد عن كتب وسط معمعة عاهرة ، أقاوم رغبة جامحة في تجاوز نصائحكالغالية . فبين الحين ، و الحين ينتابني ضمأ كبير لسيجارة رخيصة ، و لكأس خمر رديءو لأنثى عاهرة ، أسـترجع و إياهـم لحـظات الصخـب و الانتـشاء و اللـذة . و أحياناتغويني حتى الاستسـلام رائحـة دخـان السـجـائر و الكحـول و الجـنس ، و تتحامـل عليالجـبـال و الرجـال و الغيـــوم ، فتذيقنـي ، مـتراكمـة ، مرارة الحـياة و شـقــاءغربـة الـوطـن ، و تشجعني غير ما مرة هذه الظروف المعربدة على تجرع مرارة النبيذ ،لأمزج المرارتين علني أتذوق الحلاوة . لكنني أعود و استحضر وصاياك الثمينة فأعصمنفسي عن الوقوع في الرذيلة. عب جدا أماه ، أن يقضيالإنسان عقدين من حياته ، بين أحضان الأم و العائلة و المدينة بكل مقوماتها ، ليجدنفسه فجأة و دونما أدنى تهيئ نفسي لوسط قروي محض ، أو لنقل لبادية إحدى القرى ، وبتعبير أوضح لأبعد نقطة عن طريق ثانوية معبدة . فطام الحضارة لا يعادل فطام ينبوعأمومتك يا مجد الأمومة و يا فيض الرضا... يزة المدينة أن يومهاينسيك بارحتها ، و غدها سينسيك قطعا في أمسها .بين الجبال أعيش يومي بذكرىالبارحة و أتأكد أنني سأعيش غدي بأحداث أيامي الماضية خلاصة القول أن أيامي هنامتشابهة باستثناء يوم زارني المفتش ( ... ) مفاهيم جديدة أمـــي ، اقتـحمـت قامـوسحـياتـي ؛ الغربــة المـوخـزة ، القـسـارة العامـرة " القـسارة الخاوية " " العشرة " " التقدية " " الكميلة" " الدكة " "الحكرة "... ما كنت والدتي العزيزة سأعيش هذهالمفاهيم لحظات و هذه الأحاسيس جرعات زعاف لولا ولوجي سلك المتاعب النبيل .قديما و كل قديم غير بعيد ، كنت أتألم على بعض السويعات المؤنسة ، وأتحسر عليها ، أعيشها و أحاول جاهدا الاستماع بها قدر الإمكان ، ليقيني أنها ستصبحذكرى ... ، الساعة ، اليوم و كل الأيام اللاحقة ، أنتظر بلهفة و ترقب كبيرين متىتصبح للذكرى بالرغم من انسيابها الحتمي.الجرائد هنا ، طبعا جرائدالبارحة أو قبل البارحة ، أستشف و أنا أتصفحها على نغمات صمت الجبال أنها دونمصداقية . الافتتاحيات، و الأعمدة الثابتة ، و الأخبار، و التحاليل ، تتجرد منمساحيـق الـمدينة ، فتقـرأ عاريـة مفـضوحة ناشـرة لغسيلـها الوسـخ. الأقلامالسياسية و الصحفية ، يسقط قناعها ليكشف عن وجوهها المزيفة ، الكاريكاتورية ،الوصولية ، و المنافقةأمي ، كنت قد أبديت رغبتكفي مرافقتي ، أو زيارتي للاقتراب من أجوائي و أحوالي ، وللاطمئنان علي أكثر . لكننيماطلتك و تهربت من رغبتك بحجة و بغيرها . أتعرفين لماذا ؟ لأنني لا أريدك أن تحمليصورة حزينة عن ابنك ، لا أريدك أن تنامي و كوابيس تلاحقك . أريدك فقط ، أن تقبلي ،كون ابنك مغترب ، داخل حدود وطنه ، من اجل وظيفة نبيلة محترمة ، و من أجل واجبإنساني وطني . ومن أجل دريهمات قليلة و كفى .مطمئن عليك لأنني وفقت فيأكاذيبي – سامحني الله – صورت لك حياتي نعيما و أنا القاطن بمسكن مغشوش البناء مطلعلى مقبرة للأمواتترجمت لك أيامي فردوسا ، و أنـا الـذي طالما حـرم مـنوجبـات رئيسية . أبلغتـك راحتي و سعادتـي و أنـا مـن صارع لشهـور طويلـة خلـيطا مـنمشاعـر السجـيـن ، و اليتــيم ، و المريض ، و المغتصب ، و المغدور ، و المفجوع ، والمرعوب و المهاجر المغترب ... ختاما أمـــــــي؛هـي رسالة شخصية لك ، لكنـها مفـتوحة للقراءة لكـل المعنيين بحقلالتعليم و التربية ، و بحقل هذا الوطني وثيقة إدانة في حقالدولة وهي صك اتهام في حق ديماغوجيينا .هو نداء استغاثة عاجل منأطفال الجنوب . و هي لحظات اقتنصتها من صدق الواقع ، ومن صدق الذكرى و من قتامةالوضع . فتداركوا أيها المسؤولون جزاكم الله خيرا من أجل خير هذا الوطن و مـن أجـلأطـفال نفـس الوطـن ...قبـل أن يفـوت الأوان و قـبل أن يحتضر الأمـــل و يحتضرالوطن .و أستودعك ، أمـــي ، الله الذي لا تضيع ودائعه .
ابنـــك الـــبـــــار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رســــــــــالــــة مـــــن مـــعـــلـــم مــغــتــرب إلــى والــدتـــه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الساحة الأدبية :: منتدى القصص الهادفة-
انتقل الى: