هذه قصه القس المصري السابق فوزي صبحي سمعان
الذي اعتنق الاسلام وصار داعية مشهورا
خلف أسوار الكاتدرائية كنيسة (ماري
جرجس) في مدينة الزقازيق المصرية، وفي جو اختلطت فيه رهبة الظلمة بإتقان
من أضواء خافتة مع حالة التيه التي تحرص عليها تهويمات الرهبان.
خلف هذه الأسوار جلس الفتى فوزي صبحي سمعان السيسي خادم الكنيسة الذي يحلم بأن يحصل على رتبة (القس)، يستمع إلى القس الأكبر.
كان الفتى شارداً مع حلمه تتنازعه بعض أفكار ثقيلة لشبح في سماء فكره كلما
انتبه لما يسمع وارتفع صوت قسيس الكنيسة مناجياً المسيح: "يا ابن الله يا
مخلصنا وإلهنا".
وانتفض الفتى طارداً الفكرة، لكنها تلح عليه مرة أخرى، لاذ بحلمه وشرود يطارده هارباً مما يسمع.
ويعلو صوت القسيس مرة أخرى كان الفتى هو المقصود.. انتزعه من حلمه فرك
عينيه وانتبه.. والتمرد يكبر.. يواجه نفسه بالحقيقة التي طالما نجح في
الفرار منها: لقد قالوا لنا إن المسيح صلب وعذب ولم يكن قادراً على تخليص
نفسه من الصلب والتعذيب المبرح.. فكيف يتأتى له أن يخلصنا؟!
وتتمدد علامة الاستفهام الكبيرة.. الفتى يشعر بالخطر.. الصراع يملأ رأسه وجعاً.. يقف موليّاً ظهره للقسيس والكنيسة.
كم كبير من المخدوعين...
الفتى هو فوزي صبحي سمعان السيسي الذي كبر وتحقق حلمه وأصبح قساً.. لكن
ظلت الفكرة تطارده وتفقده طعم الحلم الذي طالما انتظره.. وأخيراً تتغلب
عليه ليصبح الشيخ فوزي صبحي عبد الرحمن المهدي الداعية ومدرس التربية
الإسلامية في مدارس التربية الإسلامية في مدارس منارات جدة.. لكن لماذا
وكيف حدث ذلك؟..
خرج الفتى من الكنيسة غاضباً من تمرده، هلعاً من أفكاره الأكثر تمرداً.. لكن ماذا بيده؟..
كان لابد أن يُسكت هذا التمرد في داخله.. بدأ يبحث في الأديان الأخرى
وآخرها الإسلام.. واستمع إلى القرآن فاهتز له قلبه.. ونظر إلى المسلمين
فوجد نظافة ووضوءاً وطهارة وصلاة وركوعاً وسجوداً.. واستدار ينظر إلى حاله
فلا طهارة ولا اغتسال ولا وضوء.
لم يكن ذلك كافياً لإحداث الانقلاب كما أنه لم يرحمه من مطاردة الفكرة.
وعاد الفتى إلى الكنيسة.. القس يرفع صوته متحدثاً عن أسرار الكنيسة
السبعة.. همت الضحكة أن تفلت من فمه فأسكتها بصعوبة شديدة وهو يتمتم: "أية
أسرار يتحدثون عنها؟!".
ومرة أخرى داهمته فكرة التمرد.. أية أسرار سبعة؟، وبدأ يستعرضها:
السر الأول:
هو (التعميد)
بئر داخل الكنيسة صلى عليها الصلاة فحلت بها الروح القدس.. الطفل يغمس
فيها فيصبح نصرانياً!!، هكذا؟!!، وصرخت به فكرة التمرد.. أنه يولد فيجد
أبويه نصرانيين فماذا يحتاج بعد ذلك ليكون نصرانياً (بعد أن أسلم الفتى
وجد الإجابة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على
الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصراه، أو يمجسانه» [رواه البخاري].
السر الثاني:
هو (الاعتراف) إذ
يجلس النصراني المذنب أمام نصراني أكبر منه رتبة (قس – مطران – بطريك – "
بابا ") ليعترف أمامه بكل شيء ويضع الأخير عصاه على رأسه ويتمتم ببعض
الكلمات مانحاً إياه صك الغفران.. ويخبر الفتى حواراً دار بينه وبين طبيب
نصراني: "القس يغفر لي فمن يغفر للقس؟".. قال: "البابا". "ومن يغفر
للبابا؟"، قال: "الله".. فلماذا لا نعترف لله مباشرة ليغفر لنا؟! لماذا
نفضح أنفسنا أمام الناس وقد سترنا الله؟!..
السر الثالث:
هو الشرب من دم المسيح هكذا!!،
نعم..
يأتي النصراني بالنبيذ ليصلي عليه القس فيتحول إلى دم مبارك هو دم المسيح
ليشربه النصراني بِوَلَهٍ وخشوع!!، ويتساءل الفتى: "إذا كان المسيح مخلصنا
فلماذا نشرب من دمه؟ فنحن نشرب من دم عدونا فقط!!"، الفتى جرب مرة وأحضر
النبيذ للقس فصلى عليه وشربه فلم يجده قد تحول..
السر الرابع:
هو أكل لحم المسيح،
قرابين تصنع من الدقيق ليرتل عليها
القس فتتحول إلى جزء من جسد المسيح يأكلونه!!، هكذا أيضاً!!، وتساءلت
النفس المتمردة.. لماذا نأكل لحم المسيح وهو إلهنا وأبونا؟!
الأسرار الثلاثة الأخيرة هي الأب والابن والروح القدس.. ويقولون تثليث في توحيد.. كهنوت وتهاويم وتناقض لا يقبله عقل!!
وهرع الفتى مرة أخرى ساخطاً على الكنيسة والقس، وأشياء كثيرة يناقضها المنطق.
ووسط الزحام دس الفتى جسده ونفسه المتمردة.. رويداً رويداً.. تناسى
الأفكار التي تطارده.. وخجلاً قادته قدماه إلى الكنيسة.. وأحس هذه المرة
بانقباض فقد أرهقه الكر والفر مع نفسه.. وعلا صوت القس ومعه جموع
المخدوعين بقانون الإيمان كما يقولون:
(بالحقيقة نؤمن).. بـ (إله واحد).. الأب.. ضابط الكل.. خالق السماء
والأرض.. ما يرى وما لا يرى.. نؤمن برب واحد يسوع المسيح.. ابن الله
الوحيد.. المولود من الأب قبل كل الدهور.. نور من نور.. إله حق.. إله حق..
مولود غير مخلوق.. تساوى الأب في الجوهر.. هذا الذي كان به كل شيء.. هذا
الذي كان من أجلنا – نحن البشر – نزل من السماء فتجسد من الروح القدس ومن
مريم العذراء.. وصلب وقبر عنا.. وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما
في الكتاب.. و.. و..
وانسحب الفتى من بين الجموع وهو ممسك برأسه يمنعه من الانفجار..
يقولون: إله واحد، ثم يقولون المسيح ابن الله الوحيد؟!.. كيف وكل مولود
مخلوق!!، يقولون: صلب وقبر من أجلنا.. فكيف يليق بالرب خالق الكون أن
يصلبه ويعذبه أحد خلقه؟!