مواعظ لابن الجوزيإخواني: الذنوب تغطي على القلوب،
فإذا أظلمت مرآة القلب
لم يبن فيها وجه الهدى ،
و من علم ضرر الذنب استشعر الندم .
يا صاحب الخطايا :
أين الدموع الجارية ؟
يا أسيرالمعاصي
ابك على الذنوب الماضية ،
أسفاً لك إذا جاءك الموت و ما أنبت ،
وا حسرة لك إذا دُعيت إلى التوبة فما أجبت ، كيف تصنع إذا نودي بالرحيل و ما تأهبت ، ألست الذي بارزت بالكبائر و ما راقبت ؟!
أسفاً لعبد كلماكثرت أوزاره قلّ استغفاره ،
و كلما قرب من القبور قوي عنده الفتور.
اذكر اسم من إذا أطعته أفادك ،
و إذا أتيته شاكراً زادك ،
و إذا خدمته أصلح قلبك و فؤادك.
أيها الغافل :
ما عندك خبر منك !
فما تعرف من نفسك إلا أن تجوع فتأكل ،
و تشبع فتنام ،
و تغضب فتخاصم ،
فبم تميزت عن البهائم !
واعجباً لك !
لو رأيت خطاً مستحسن الرقم لأدركك الدهش من حكمة الكاتب ،
و أنت ترى رقوم القدرة ولا تعرف الصانع ، فإن لم تعرفه بتلك الصنعة فتعجّب ،
كيف أعمى بصيرتك مع رؤية بصرك !
يا من قد وهى شبابه ،
و امتلأ بالزلل كتابه ،
أما بلغك ان الجلود إذا استشهدت نطقت ! أما علمت أن النار للعصاة خلقت !
إنها لتحرق كل ما يُلقى فيها ،
فتذكر أن التوبة تحجب عنها ،
و الدمعة تطفيها .
سلوا القبور عن سكانها ،
و استخبروا اللحود عن قطانها ،
تخبركم بخشونة المضاجع ،
و تُعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ،
و المسافر يود لوانه راجع ،
فليتعظ الغافل و ليراجع .
يامُطالباً بأعماله ،
يا مسئولاً عن أفعاله ،
يا مكتوباً عليه جميع أقواله ،
يامناقشاً على كل أحواله ،
نسيانك لهذا أمر عجيب !
إن مواعظ القرآن تُذيب الحديد ،
و للفهوم كل لحظة زجرجديد ،
و للقلوب النيرة كل يوم به وعيد ،
غير أن الغافل يتلوه و لا يستفيد ..
كان بشر الحافي طويل السهر
يقول :
أخاف أن يأتي أمر الله و أنا نائم.
من تصور زوال المحن و بقاء الثناء
هان الابتلاء عليه ،
و من تفكر في زوال اللذات وبقاء العار
هان تركهاعنده ،
و ما يُلاحظ العواقب إلا بصر ثاقب .
عجباً لمؤثر الفانية على الباقية ،
و لبائع البحر الخضم بساقية ،
و لمختار دارالكدر على الصافية ،
و لمقدم حب الأمراض على العافية .
قدم على محمد بن واسع ابن عم له فقال له من أين أقبلت ؟
قال : من طلب الدنيا ،
فقال : هل أدركتها ؟
قال لا ،
فقال : واعجباً !
أنت تطلب شيئاً لم تدركه ،
فكيف تدرك شيئاً لم تطلبه .
يُجمع الناس كلهم في صعيد ،
و ينقسمون إلى شقي و سعيد ،
فقوم قد حلّ بهم الوعيد ،
وقوم قيامتهم نزهة و عيد ،
و كل عامل يغترف من مشربه .
كم نظرة تحلو في العاجلة ،
مرارتها لا تُـطاق في الآخرة ،
يا ابن أدم قلبك قلب ضعيف ،
و رأيك في إطلاق الطرف رأي سخيف ، فكم نظرة محتقرة زلت بها الأقدام.
يا طفل الهوى !
متى يؤنس منك رشد ،
عينك مطلقة في الحرام ،
و لسانك مهمل في الآثام ،
و جسدك يتعب في كسب الحطام.
أين ندمك على ذنوبك ؟
أين حسرتك على عيوبك ؟
إلى متى تؤذي بالذنب نفسك ،
و تضيع يومك تضييعك أمسك ،
لا مع الصادقين لك قدم ،
ولا مع التائبين لك ندم ،
هلاّ بسطت في الدجى يداً سائلة ،
و أجريت في السحر دموعاًسائلة .
تحب أولادك طبعاً فأحبب والديك شرعاً ،
و ارع أصلاً أثمر فرعاً ،
و اذكر لطفهما بك و طيب المرعى
أولاً و أخيرا ،
فتصدق عنهما إن كانا ميتين ،
و استغفر لهما و اقض عنهما الدين.
من لك إذا الم الألم ، و سكن الصوت
و تمكن الندم ، ووقع الفوت ،
و أقبل لأخذ الروح ملك الموت ،
و نزلت منزلاً ليس بمسكون ،
فيا أسفاً لك كيف تكون ،
و أهوال القبر لا تطاق.