الحمد لله الذي رفع درجات أهل العلم و الإيمان.. ومـنّ عليهم بالتوفيق و العرفان.. وجازاهم في الآخرة بالإكرام و الرضوان..أشهد ان لا إله إلا الله ..جعل الحياة الدنيا دار ممر..وجعل الآخرة دار مقام و مقر.. و أشهد ان سيدنا و حبيبنا محمدا عبده و رسوله .. أدى الأمانه .. و بلغ الرسالة.. ونصح الأمه..اللهم صل و سلم عليه و على آله وصحابته..واجزه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته ..واحشرنا تحت لوائه في أعز زمرته..و لا تحرمنا اللهم من حوضه وقربه ونيل شفاعته..
أما بعد ... إخوة الإيمان و العقيدة ..
منذ يومين.. عاد ابناؤنا التلاميذ بدفاتر أعدادهم.. يحملون نتائج امتحاناتهم للثلاثي الأول.. فمنهم من عاد إلى أهله مسرورا.. دفتر الأعداد مثقل بالإمتياز..فأفرح أهله.. وأراهم نتيجة كده و اجتهاده .. فعاشوا معه بهجة الفوز و النجاح.. و شجعوه على مواصلة طريق المثابرة و الإجتهاد.. ومنهم من عاد إلى أهله مهانا.. دفتر الأعداد يحمل ضعفه..و يظهر نتيجة إهماله و كسله.. فأحزن ذويه.. و خيب أملهم فيه.. و مع النتيجتين.. يقف المؤمن متأملا.. متبصرا.. متسائلا.. أما تمثل امتحانات أبنائنا في مدارسهم ..امتحانا عظيما ينتظر الجميع.. أما يكون حالهم اليوم..هو حال كل الناس يوم القيامة .. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم : 48].. ذلك اليوم الذي لا ريب فيه.. والذي أمرنا الله أن نتقيه..بطاعة الله.. وبالأعمال الصالحة.. فقال جل جلاله.. وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]..
ولو أنا إذا متنا تركنا
لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بُعـثــنا
ونُسأل بعدها عن كل شيء
أورد الإمام مسلم في صحيحه.. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ.. فَتَنْبُـَتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِْ.. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى.. فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ.. يزدحم الناس على أرض المحشر.. الشمس فوق الرؤوس ..العرق الى الأذقان ..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. و قوله في صحيح مسلم..فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِى الْعَرَقِ.. فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ.. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ .. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ .. وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا .. و ينزل عرقهم في الأرض..قال صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْعَرَقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيَذْهَبُ فِى الأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعًا .. وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ.. ذلك اليوم.. كتب الله في قضائه و قدره.. أن نكون من أهله.. قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ .. لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة : 49 ، 50].ذلك يوم الإمتحان الكبير.. فكيف نغفل عنه.. و ما حياتنا في هذه الدنيا إلا سويعات قليلة.. يوم سأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة..أجابهم رب العزة تبارك وتعالى بقوله..يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا .. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا .. إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا .. إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا .. كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا.. لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات : 42 - 46]..في ذلك اليوم ..ذي الخمسين ألف سنة .. توضع الموازين.. و تبلغ القلوب الحناجر.. و كل إنسان ينتظر مصيره .. يقول جل جلاله.. وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء : 47] فينادي رب العزة تبارك و تعالى..أول إنسان خلقه.. جاء في صحيح مسلم.. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .. يَا آدَمُ.. فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ .. فيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّار..؟ِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ... تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ..امتحانات الدنيا.. نسبة النجاح فيها تتجاوز الخمسين في المائة ..و قد تصل مائة في المائة.. أما يوم القيامة فنسبة النجاح فيه واحد من الألف.. من أجل ذلك.. ارتعدت فرائص الصحابة..وانتابهم خوف شديد.. قال صلى الله عليه وسلم .. فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ..{ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا .. وََتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى.. وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} .. قَالَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ على الصحابة. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ.. لكنه الحبيب .. صلى الله عليه وسلم .. عنده من الله البشارة .. قال لصحابته ..و منهم لأمته.. « أَبْشِرُوا.. فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ ». ثُمَّ قَالَ « وَ الَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ».. قال الصحابي أبو سعيد.. فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ». فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.. وامتحان الدنيا.. أسئلته محدودة..يسأل التلميذ عن مواد درسها.. لا يتعدى عددها عد الأصابع.. أما امتحان الآخرة.. فالأسئلة عن كل صغيرة و كبيرة.. من بداية البلوغ إلى لحظة الرجوع.. يجد الانسان ذلك في علم الله.. و يشهد على ذلك كتاب نسخه الكرام الكاتبون.. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ .. كِرَامًا كَاتِبِينَ .. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الإنفطار: 10 - 12].. كل ما يفعل الإنسان .. كل ما يقول الانسان .. يعلمه الله .. و يكتبه الكتبة .. وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ..وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ .. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق : 16 - 18] فماذا تفعل أيها الإنسان..و الله في عليائه يراك.. والكاتبان عن اليمين وعن الشمال يسجلان .. فقبل أن تقوم بالعمل ..و قبل أن تنطق بالقول.. إسأل نفسك..هل هذا يرضي ربي..؟ هل جلوسي في هذا المكان.. يقبله الله..؟ هل كلامي هذا يحبه الله..؟ هل فعلي هذا في مرضاة ربي..؟ هل أرضى أن يكتبه الملكان..؟ و أن ألقاه في كتابي يوم القيامة..؟ إحرص أيها المؤمن..أن تذكر ذلك في كل حين.. لأن ذلك الحين .. قد نحسبه بعيدا..و عند الله قريب .. وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ.. إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.. فلم الغفلة..و التيار يجرف الإنسان نحو ساعته ..ولم الغفلة.. والأهل و الأحباب يفارقوننا في كل لحظة.. في ذلك الموقف العظيم..في يوم امتحانك أيها الإنسان .. إذا أنكر الكفار و العصاة أعمالهم و اقوالهم .. ولم يعترفوا بها .. يكلف الله من يشهد عليهم .. يقول الله تبارك و تعالى.. وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ .. حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا.. شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ.. فيظهر كل شي.. ويبرز كل ما أسررت و ما أخفيت .. فماذا تقول لربك غدا.. عن كل كلمة صدرت منك.. فيها ظلم و اعتداء..فيها هتك للأعراض.. و ربما سخرت من هذا الدين .. وربما أوقعت بالمساكين.. ماذا تقول لربك غدا.. عن إهمالك للوالدين ..عن دينك الذي بقي في دفاترالدائنين..هل اعددت لكل سؤال جوابا..شافيا كافيا..ترجو به رضوان الله.. إن الإخفاق في امتحان الدنيا.. يتداركه الإنسان..بمزيد العناية و المثابرة.. ولكن الرسوب في امتحان الآخرة.. هو الحسرة التي ما بعدها حسرة.. هوالندامة التي ما فوقها ندامة.. هو الخسران المبين.. قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر : 15].. يخسر الغافل فيه كل شيء.. يوم يرى من كان حوله من الناس.. من أبسط الناس.. و ربما كان يحتقره في الدنيا.. ويحتقر عمله.. يراه في أرض المحشر.. وقد ملأته الفرحة و البهجة ..ينادي بأعلى صوته..هاؤم اقرؤوا كتابيه.. ليس فيه حقد و لا حسد..و لا يحمل كرها لأحد.. هاؤم ااقرؤوا كتابيه .. فيه طاعة الله..فيه محبتي ومودتي لكل خلق الله..هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ .. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة : 19 ، 20]..كنت أرى رقابة الله.. كنت أحسب لهذا اليوم كل حساب.. فأي فرحة تظاهي فرحة المؤمن.. بالنجاة من النار و الفوز بالجنة.. ثم يراه بعد ذلك في موكب ملائكي ..في هالة من نور .. يطير من غير جناحين.. تحفه الملائكة إلى مقامه في الجنة.. حيث النعيم الدائم.. في جوار رب العالمين.. يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الحديد : 12]
اللهم اجعلنا من عبادك الفائزين.. واهدنا برحمتك لفضلك و رضوانك المبين.. واكتبنا يوم القيامة من الناجين و المبشرين
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم .